الانتخابات الفرنسية والدروس المستفادة
صفحة 1 من اصل 1
الانتخابات الفرنسية والدروس المستفادة
ليس من عادتنا كليبيين الاهتمام بالانتخابات التي تجرى سنوياً في العديد من بلدان العالم وذلك لسبب بسيط هو أننا لا نمارسها ولا نعرفها بل إنها ولعقود من الزمن اُعتبرت بدعة وجريمة يعاقب عليها القانون ، وبالتالي فلو أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت منذ أيام قد جرت فقط قبل سنة من الآن لما أعار لها الليبيون بال وحتى من كان سيهتم بها فإن أسباب وجوانب اهتمامه بها كانت ستختلف ، والمؤكد أن لا أحد كان سيتابعها لآخذ الدروس منها. ولكن وبعد أن دخلت ليبيا والليبيون إلى نادي الشعوب الحرة فإنه ومن الآن فصاعداً فإننا كليبيين مطالبين بمتابعة مثل هذه الأحداث المهمة لان هناك شروطاً ومستحقات يجب دفعها للدخول لهذا النادي العظيم وللبقاء فيه . الليبيون استوفوا وربما أكثر من غيرهم شروط ومتطلبات الدخول بعد أن قدموا قوافل من شهداء الحرية الأبرار فاستحقوا وبفخر عضوية نادي الحرية The club of freedom , ولكن وللأسف فإن هذا الثمن الغالي الذي دفعه الليبيون لا يكفي لوحده للبقاء في هذا النادي , فالحرية في هذا النادي تختلف جذرياً عن الحرية في حالة الطبيعية ، فهي يجب أن تُمارس وفق ضوابط تتعلمها الشعوب التي تستفيد من تجارب بعضها البعض وهنا تأتي أهمية التجربة الفرنسية الأخيرة بالنسبة لنا ونحن على أعتاب أول تجربة ديمقراطية حقيقية سيراقبها العالم بأسره ليحكم علينا إما بحقنا في الاستمرار بجانب الشعوب الحرة وإما بعدم نضجنا وبحاجتنا لأستاذ أو أساتذة لتعليمنا متطلبات الحرية ، والأستاذ لكن يكون هذه المرة إلا دكتاتوراً جديداً أو استعمارا حديثاً .
أول الدروس المستفادة من الانتخابات الفرنسية هو نسبة المشاركة العالية التي تجاوزت الثمانيين في المائة وهي نسبة قَل ما تتحقق في الدول الغربية, مما يجعل فرنسا واحدة من أكثر الدول افتخارا بديمقراطيتها . فكم يا ترى ستكون نسبة المشاركة في انتخاباتنا التاريخية المقبلة ؟ هل يعرف الإعلام الليبي والمرشحون والنخبة الليبية كيف يمكن تشجيع الناس على القيام بهذا الواجب الوطني ؟ إن عدم مشاركة الليبيين في الاستحقاق الانتخابي القادم سيسيء إلى ثورتنا المباركة وسيضع أكثر من علامة استفهام حولها وحول مستقبلها . إذ لا يعقل أن يضحي شعب ما من أجل الحرية والديمقراطية ثم يرفض فيما بعد ممارسة هذه الحرية وهذه الديمقراطية .
الدرس الثاني هو القبول المميز بنتائج الانتخابات . فعلى الرغم من الشحن القوي الذي صاحب الانتخابات وعلى الرغم من النتيجة المتقاربة بين الخصمين فأن الرئيس ساركوزي ومعسكره اليميني قد قبل الخسارة بكل رحابة صدر ولم يسجل أي حادث أو خرق قانوني ، وكأنهم خسروا مباراة في كرة القدم لا رئاسة إحدى الدول العظمى . وفي لوحة جميلة رسمها الفرنسيون لديمقراطيتهم العتيدة ، غطت شاشات القنوات الفرنسية طاولات النقاش التي جمعت القطبيين المتنافسين ليس للشتم والسب والتجريح الشخصي وإنما لاستشراف المستقبل وتحديد التحديات . فإذا لم تكن تعرف الوجوه المتحاورة لما صّدقت بأن من يجلس على اليمين هم الوزراء الخاسرون الذين يعرفون بأنهم فقدوا وربما للأبد حقائبهم الوزارية . فماذا سيكون حالة النخبة الليبية في الثالث والعشرون من الشهر القادم عند إعلان نتائج الانتخابات الليبية القادمة ؟ الرئيس الخاسر نفسه وقف على المنصة بين أنصاره ليهنئ خصمه الفائز وليعلن بكل شجاعة تقبله للهزيمة . تُذكرنا هذه الوقفة بوقفة الرئيس صدام حسين لحظة إعدامه مع الفارق طبعاً . ففي نادي الدكتاتوريات يموت الساسة على منصات المشانق ولكن في نادي الشعوب الحرة يموت الساسة على منصات صناديق الاختراع. بل أن الديمقراطية الفرنسية ظهرت في قمة عظمتها عندما أصطحب الرئيس ساركوزي الرئيس المنتخب لوضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول في ذكرى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية التي يُحتفل بها في الثامن من شهر مايو من كل عام.
الدرس الثالث يتعلق بالكيفية التي استطاعت من خلالها فرنسا وعن طريق أحزابها العريقة أن تحول المعركة الانتخابية من سبب للخلاف والاختلاف إلى مشروع وطني لحشد الهمم والدفع بدماء جديدة في العملية الديمقراطية لضمان استمرارها واستمرار حيويتها . فالديمقراطية ليست جيناً ينتقل بالوراثة بين الأجيال المختلفة وإنما هي فن إدارة الشأن السياسي وهذا الفن يحتاج إلى أن يُدرّس وأن يمارس في سلسلة متصلة بين الأجيال تشكل مواسم الانتخابات حلقات الوصل فيها.
الدرس الرابع يتعلق بموضوع الانتخابات. فالانتخابات الفرنسية لم تكن تتعلق بشخصية المرشح أو بانتمائه الاجتماعي أو الديني وإنما بمشاريع سياسية تعكس رؤية وفلسفة كل معسكر من المعسكرين , وتُرك للناخب الحرية التامة للتقييم والاختيار, وبعد أشهر طويلة من النقاشات الساخنة في وسائل الإعلام المختلفة وفي الساحات العامة والمقاهي والجامعات وبعد مناظرة تلفزيونية طويلة استغرقت زهاء الثلاثة ساعات بين المرشحين أنفسهم جاءت ساعة الحقيقة وأختار الفرنسيون رئيسهم للخمس سنوات القادمة بنسبة 51.62 % . فمتى سيأتي اليوم الذي يختار فيه الليبيون رئيسهم بمثل هذه الطريقة وبمثل هكذا نسبة ؟
د. الشيباني أبو همود . سفـــــير ليبيا في فرنــــسا
ران- مشرف
- عدد المساهمات : 122
تاريخ التسجيل : 17/12/2010
الموقع : زوارة / ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت سبتمبر 19, 2020 12:39 pm من طرف بالمسه
» مؤشر السوق السعودي يتراجع مع إنخفاض أسهم أرامكو - سابك - الراجحي
الأربعاء يوليو 01, 2020 9:43 am من طرف بالمسه
» سهم موبايلي - اتحاد اتصالات يفتتح التداول على إرتفاع ملحوظ رغم سلبية المؤشرات
الأربعاء يوليو 01, 2020 9:31 am من طرف بالمسه
» سهم كهرباء السعودية وإستمرار الخضوع للضغط السلبي
الثلاثاء يونيو 30, 2020 8:09 pm من طرف بالمسه
» تسجيل 50 وفاة و4387 إصابة جديدة بفيروس "كورونا"اليوم في السعودية
الثلاثاء يونيو 30, 2020 4:15 pm من طرف بالمسه
» المؤشر العام - مؤشر السوق السعودي يهوي بشكل غير ملحوظ رغم إرتفاع سابك وسهم أرامكو
الإثنين يونيو 29, 2020 4:00 pm من طرف بالمسه
» كلية الملك خالد العسكرية تعلن فتح باب التسجيل لحملة الشهادة الثانوية العامة
الإثنين يونيو 29, 2020 2:00 pm من طرف بالمسه
» سهم زين السعودية يفتتح باللون الأخضر مع هذا المؤشرات تشير إلى إستمرار السلبية
الإثنين يونيو 29, 2020 11:55 am من طرف بالمسه
» سهم لازوردي يكمل الصعود وسط التوقعات بتحسن مكاسب الشركة
الإثنين يونيو 29, 2020 11:47 am من طرف بالمسه