عــذراء الحــب لانتصار حسين
صفحة 1 من اصل 1
عــذراء الحــب لانتصار حسين
كتبها انتصار حسين ، في 15 فبراير 2009 الساعة: 13:55 م
خالتي لماذا لم تتزوجي إلى الآن ؟
سؤال كانت تدري أنها لن تفر ابداً منه و لكن ظلَّ الأمل في أن ينسى الزمن هذا السؤال و يطويه بين أيامها يداعب صدرها فما إن سألتها أبنة اختها حتى إنفلتت من بين شفتيها ابتسامة مشوبة بغصة ابتسامة مقهورة لم تتعلم يوماً إلا الإنكسار ، و مررت بإصبعها السبابة على أخاديد الزمن التي حفرتها في ثنايا وجهها الأبيض الصغير و أنفلتت من بين أجفارها دمعة حارقة تدرجت دون وعي على تلك الأخاديد ؛ و بدأت تفكر في ذاك الزمن الجميل تلك الأيام التي كانت ترقص فيها كفراش النور من مكان لآخر لا يحد إنطلاقها إلا نسمات الهواء التي تداعب خديها تسابق الريح و تمتطي النسائم لم تعي يوماً أنها ستكون وحيدة في فراش بارد يضيق رغم اتساعه عليها كلما آوت إليه ، و لم تكن تدري أن هذه الوحدة التي إختارت تفاصيلها المعتمة ستكون قدراً يطمس الفرح ما بين شفتيها كانت تعتقد أنها ستكون اكثر راحة و طمأنية و لكن ما هي تلك الاشياء التي قد تعوضنا احتواء رجل أو تغنينا عن حمايته ليس هناك ما يعوض على قلبٍ أدمته الجراح إلا طفلٍ يناديها بماما و لكنها في لحظة تجني أتلفت تلك الأحلام و صادرت تلك الأماني و ضربت بهذه الهبات عرض الحائط هكذا كانت تخشى أن تكون سعيدة تخشى على نفسها مرارة التكرار تخشى أن تكون فريسة للحزن الذي سطا على بيتها فأحاله وكراً للوساوس و المخاوف فقررت في لحظة ضعف أن تكون وحيدة .
بدأت ناهد تروي روايتها على ابنة أختها الصغيرة التي كانت شديدة التعلق بخالتها حتى أنها سمحت لنفسها أن تنبش هذا الجزء الغامض من حياتها دون أن تشعر بأدنى حرج منها , كانت ” سمية ” تشعر أن خالتها تلك ملاكاً أنزله الله إلى الارض ليحل السلام و قد كانوا أشد خلق الله حظاً كون أن هذا الملاك كان في بيتهم و من دمهم ؛ روايتها التي لطالما شعرت أنها مجرد أوراق كانت تعبث بها أثناء الشباب أو مجرد شخصيات كانت قد فرّت من بين براثن قلمها فكيف لها أن تكون شخصية مستقلة بذاتها بعيدة عن الورق إن لم تكن هي بذاتها ورقة سقطت سهواً من بين كتبها دون أن تدري فتطفل عليها الظرف و أبدا إعجابه بها و حولها إلى ناهد تلك المراة صاحبة الخمسين عاما ً .. هكذا كانت تري قصتها كأنها ترويها من كتابٍ قديم لم تنقص حرفا و لم تزد آخر بل ظلّت مستقلة عنها تراها و كأنها أحد تلك القصص التي حاكتها ببراعة لتنال عليها جائزة ورقية علقتها على الحائط كتب عليها مع الشكر و التقدير .
تنفست ناهد الصعداء و ملأت رئتيها بالهواء و كأنما تحاول أن تجدد الهواء الرطب الذي يتخلل مساماتها فتجدد بذلك ذكرياتها الرطبة المبللة بدموع الأسى ، تماسكت قليلاً حتى لا تفضحها الدموع المتسربلة بين خطوط و تجاعيد وجهها تحاول تذكر أيام حياتها تلك التي كانت مفعمة بعطر الشباب لكي لا تقع فريسة الألم الذي حصد شبابها و طوى أيامها فبعض الذكريات كفن و بعضها وردة فواحة :
” كنتُ أقف على شباكي المطل على قارعة الطريق كان الطريق مزدحما صاخباً يشكو من ضجيج السيارات و يضجر بالمارة كان ذاك الوقت الساعة 12 ظهراً و كانت الشمس في كبد السماء ترسل سياطها عبر الافق تلهب بيها جيد كل من تجرأ على الخروج في مثل هذا اليوم المضني كنتُ حينها أطل بين الحين و الآخر من الشباك أحاول أن أقتنص فرصةً للكتابة فمنذ زمنٍ لم يتجرع قلمي الوحي و لم أكتب و لم تتجرأ دفاتري على إنجاب نص جديد أنتظر من يهديني في هذا القيظ حرفاً أحاول به استدارج البقية أنتظر شيئاً لا اعلم ما هو ولا من أين سيأتي و لكني كنتُ واثقة أني اليوم على موعد مع الكتابة فما كان مني إلا أن عقدتُ يداي و اتكأتُ على شرفة الشباك أنتظر مرور ذاك العارض ولكن الشمس الحارقة منعتني من استكمال هذا الانتظار اللذيذ فقد كانت لسعاتها أشد وطأة من فضولي و لهفتي فما كان مني إلا أن اسرعت لمكتبي أحاول عصر قلمي لأكتب بعض الخواطر التي قد دفعني إليها الاصرار على الكتابة .
طرت لمكتبي و عيناي معلقتان بالشباك أراقب المارّة فإذ بأحدهم و هو يحتسي فنجان قهوته اوحي لي بسطرين كتبتهما على أحد الكتب مخافة أن يفران مني كما العادة بدأت أهمُّ في خلق نص جديد ما بين السطور أحاول فيه استدرار عطف القلم و تجميع بعض الكلمات المستهلكة فإن الكتابة حالة روحانية عالية لا يمكننا جبر عفريتها على المثول أمامنا متى شئنا فهي تتلبسنا متى هي شاءت .. و قاطع هذا الهيام و هذه النشوة زمجرة هاتفي جعلني أقفز من مكاني مذعورة , أتيت به و أنا ساخطة على هذا المزعج الذي أخرجني من دوامة الألهام المثيرة التي بدأت تداعب طرف قلمي بلعتُ ريقي وهممت بفتح باب الحديث بكلمة :
آلو ؟
فجاء من الطرف الآخر صوت رجلٍ أربكتني أنفاسه قبل أن يربكني صوته صوت رخيم ينضح رجولة صوتاً غفرتُ له مقاطعتي فقد كان بحد ذاته قصيدة أو رواية يجب أن ننصت لها باهتمام لم يمهلني ذاك الصوت كثيراً بل قاطع هيامي المعهود بالصوت الرجولي فإني كنت أعشق تلك الأصوات التي تثير في نفسي شغفها كنت أتمتع بتلك اللحظات البسيطة و أنصتُ جيداً لها و استشف منها قصائداً و روايات كانت الرجولة بنظري صوت و موقف تجذبنا الأصوات ثم تأسرنا المواقف و استفقت من هذا الحلم اللذيذ على جملةٍ أخلّت بموازيني و انقشعت لأجلها هذه الاحلام الوردية الآنية فانتبهت و أنصت بتركيز بعيداً عن رائحة الرجولة التي فاحت من صوته :
لم تعرفيني و لم تتعرفي عليّ و لم أركِ و لم أحفظ ملامحكِ و لكني بإختصار شديد أحبكِ . لا أطلب أكثر من أذنكِ لأراكِ ..
لم أدري بما أجيب و لكن خفقات قلبي بدأت في التسارع و ضاق تنفسي و شعرتُ بدوار يلف الغرفة شعرتُ أن هذا الامر ليس إلا مقلباً سخيفا من أحدهم أراد أن يعكر به مزاجي إما انتقاماً أو سماجةً .. فما أكثر المغفلين في مجالنا هذا أولئك اللذين ينصبون الفخاخ للآخرين حتى يستمتعوا بالثرثرة أو الانتقام لمجرد التسلية لا أكثر ، فلا ينجو أياً كان أبداً من ملاحقاتهم السخيفة حتى علاقاتنا البسيطة البريئة كانت عرضة للنهش و التلفيق ،قصصنا الصغيرة الخاصة بمكنوناتنا كانت عرضة للتأليف و التأويل فما كانت حياتنا نحن الكتّاب إلا كِتاب مفتوح يخربش على صفحاته أيأً كان دون رادع ، شعرتُ حينها أنه أهان ذكائي فكيف له أن يقتحم خلوتي بدون إذن يربك كل موازيني و اعتقاداتي ظاناً منه أنه صاحب الجولة الأولى و له الحق في قذفي بمفاجأته و تسميري ، كانت الحياة بالنسبة لي تحدي فلم ارضى يوماً أن أستخف بأحدهم و بالتالي لن أقبل أن يُستخفّ بي و خاصة بهذا الشكل و بهذه الطريقة ، لم استطيع الإجابة بل احتقن وجهي و انتفخت أوداجي لا أدري ما أقول أو ما افعل فلم أسيطر رغم خبرتي يوما على انفعالاتي كان تسبقني و كانت تتحكم بردات فعلي فلم أعي إلا و عبارات النهر تسبقني و تتسربل دون وعي من سماعة هاتفي إلى هاتفه فكيف يرضى هذا الرجل أن يلعب لعبةً يستحي منها حتى الأطفال و انا تلك الكاتبة التي كشفت ما بين طيات عباراتها خدع الرجال و مكائد النساء ، فكيف صوّر له خياله أني قد أقع فريسة هذه العبارات الرخيصة ، فما كان مني إلا أن نهرته بكل رقيّ و أدب حتى لا أنزلق في منحدر لا استطيع العذول عنه إن كان الأمر كان غير ما كنتُ أتوقعه نهرته بعبارات لا أذكر لليوم ماهي أو ماذا كانت أو كيف رتبتها و لكن أعي أنها كانت أنيقة في قتالها تبارز بشرف تتصنع الهيبة و كأنها كما الشوكولا المسمومة رائعة المذاق إلا أنها قاتلة أنتقيتُ كلمات حادة من بين تلك التي كنت أدسها لبعض فئران الأدب فتذلهم دون أن يؤخذ عليّ مأخذ ؛ الكلمات كانت وسيلتي في الدفاع عن نفسي ألقيها كألغام لا أحسب لها حساباً تنفجر بمجرد أن يدوسها أحد أولئك الفئران .
و هكذا توالت الأيام و انا أفكر في سر هذا الهاتف الغريب بتُّ أفكر فيه و أنسج حوله الاستنتاجات و أستجمع الشواهد التي قد تربطني بذاك المتصل و لكن دوماً اصل إلى نهاية غير معبدة لفضاء واسع لا استطيع ابداً تحديد وجهتي فيه فلم أستيطع أن أجمع الأدلة التي قد تجعلني أتفادى هذه الحفرة اللعينة التي حفرها هذا المتصل المتطفل على راحة بالي ، غاب عني الوحي و استنكرتُ لكل مساطري و أقلامي و بتُّ لياليٍ حائرة أحاول ربط الأحداث ببعضها البعض و رأيتُ أن الامر لغزاً أكبر من أن تستوعبه نقلات فكري الصغيرة لدى قررت ترك هذا الأمر لحاله حتى يكشف هذا الغريب عن نقابه فاتأكد من هويته و ما يضمر في نفسه اتجاهي لكي يتسنى لي حينها أن أتقدم أنا نحوه خطوة و أبادر بتسديد سهامي نحوه حتى أشل حركته في حال أراد مباغتتي ، كنت مستعدة له رغم وضع هذا الامر جانباً إلا اني كنتُ متهيأة دوماً لأي ضربة موجعة و متصدية لأي مباغتة قد تختلي بغفلتي .
توالت الأيام و تعاقبت حتى نسيتُ الامر تماماً فما أكثر تلك الأيام التي تنسينا الأمور التي أقضت مضجعنا و ما أكثر الأيام التي تجبرنا على الركض وراءها حتى وقع أثناء ركضنا الكثير من قرارتنا و تصميمنا ؛ و في يومٍ من الأيام كنت أوقع أول إصدار لروايتي الجديدة في معرض الكتاب فقد جرت العادة أن تقيم دار النشر بعدما تجمع عدد لا بأس به من الروايات بعمل افتتاح صغير يوقع فيه أصحاب الروايات المنشورة لمعجبينهم بعض الوتغرافات كانت بروتوكولات تجريها الدار لتوسع من معجبين كتّابها أو ربما لتوزع على غفلة منّا بعض الروايات الساقطة قيداً من دفاتر النشر فتدسّها فيما بيننا مدعية أنها هدية هذا الحضور و بناءً على رغبة المهتمين يجب علينا أن نطأطأ قليلاً لتلك المزحات الثقيلة و أن نرضى بفئران الأدب تلك ان تقضم بعضاً من نجاح أعمالنا و أن نسمح لها بأن تنمو كفطريات فوق أوراقنا ، بدأت في توقيع بعض الروايات التي صدرت مؤخراً باسمي فكان علي أن أبادل معجبيني ببعض العبارات و بعض اللقاءات التي تتم في ردهة هذه الدار و بينما كنتُ أجامل هذا و أوقع لذاك و أدس بدون علم الدار بعض الروايات لبعض
الفتيات اللائي جئنني و رجونني أن أهديهن بعض قصصي و خواطري حينها مرر إليَّ أحدهم روايتي بغية التوقيع عليها تناولتها منه و رسمت على شفتي ابتسامة بسيطة كنوع من الترحيب و ربما الشكر أو ربما عادة سمجة اكتسبناها من هذه المهنة المضنية لنجاري الجو ، و ما إن هممت بفتح صفحتها الاولى حيث سأوقع رأيتُ هذه الجملة و كأنها خنجراً أستل ليقف مباغتاً فوق نحري رغم حذري و استعدادي إلا أنه باغتني فسحقاً له هكذا تمططت شفاتي بغيظ سحقاً له :
لم تعرفيني و لم تتعرفي عليّ و لم أركِ و لم أحفظ ملامحكِ و لكني بإختصار شديد أحبكِ . لا أطلب أكثر من أذنكِ لأراكِ ..
تسمرتُ مكاني و لم أعي ما أفعل فها هو الشخص الذي أبحث عن ملامحه قد ظهر مرة أخرى على غفلة مني دون أن أهيء نفسي لهذا اللقاء بعدما كنت واثقة انها كانت مزحة و مضت لحالها ، فمن أين لي بالكلمات لأردها عليه في مثل هذا الظرف لم أفكر ملياً لم أجد تلك العبارت التي حفظتها و حفظت كيفية ألقائها و وقت إلقائها هربت و فرت و ترتكتني أعاني وحدي هذا الموقف المباغت لما لا أقاطعه أو أصرخ به أو أستنجد بحراس المبنى و أخبرهم أن هذا الرجل رجل باغت بصوته في أول مرة أنوثتي و في المراة الثانية عباراتي و قتل الكلمات بجوفي لما لا أصرخ فيه و أخبره أن هذه الالعيب لن تنطلي عليّ ، فلكم نحن ضعفاء أمام كلمات الحب الرقيقة تأخذنا تسلبنا من أرادتنا نصدقها رغم ريائها نلبسها عباءة الرقة رغم بشاعتها ندنيها للأمل رغم أستحالة تحقيقها ,, لما تأخذنا إليها ؟ ربما لأننا فقدنا هذا الشعور فبدا لنا انه واقعي جدا رغم غرابته .
و رغم ارتباكي شعرت أن قلمي يكتب عوضاً عني هناك شيء ما يشدني لهذا الشخص الغامض كنوع من الفضول و ربما نزعتي الخيالية التي هيأت لي بعضاً من تصوراتي قد أجبرتني على السماح لنفسي أن تكون أكثر تحرراً و إنفتاحاً و ربما فضولاً فأنا كاتب يسعى لقصة جديدة أو جرح جديد ليكتب مداد هذا الجرح كلمات فنحن لا نكتب إلا حينما نضيع في متاهات الألم و لا تزدرينا الكلمات إلا حينما نقترب من السعادة ، أقنعتُ نفسي أن هذا الرجل ككهف مظلم في جزيرةٍ نائية وجب عليّ أن أكسب شرف اكتشافه و أن أسبر أغواره وحدي بمعاولي و أقلامي و مساطري و كلماتي و حرابي يجب أن أكشف سر هذا الرجل الكهف .
و كانت هذه ذريعة لأقع في شراك هذا الرجل فما كان مني إلا أن كتبت رقم هاتفي الجوال أسفل كلماته مع جملة صغيرة وددت أن أوحي بها مدى قوتي و أن أظفر بالهيمنة على الموقف دونه :
قوة النساء في ضعفهن ..
لم أدري لما هذه الجملة بالذات طرأت على بالي و لكني أردتُ أن أوحي إليه اني أعي تماماً ما قد يؤول إليه تفكيره و أني أذكى من حيله السخيفة ، تلك هي غايتي التي كنت أنشد أن تصل إلى صلب عقله فتصيبه في مقتل فقد كانت لعبتي المفضلة رمي الكلمات بطريق من يعترضني فتعرضه هي بدورهـــــا و تلتف عليه و تكبله ، كنت أقتاد دوماً الكلمات أمامي فأضرب بسياطي نحوها لتركض كفرسٍ جامحة نحو من أسلطه عليها كان قلمي يملي عليّ دوما تصرفاتي و كانت غريزيي الأنثوية أكثر حدة و شراسة .
لا يزال منذ ذاك الوقت قلبي ينتفض من حين للآخر و أنا افكر في هذا الشخص الغريب الذي لم يتوانى عن اقتحام خلوتي دون استئذان ، فلم يعي بعد أنَّ خواء حياتي قد يؤثر في معتقداته سلباً ، فكرتُ كثيراً و لم يفضي التفكير إلا كثيراً من الأرق و الخوف ؛ و لكم ندمتُ أني تساهلتُ معه بمنحه رقم هاتفي الخاص فما ادراني ما قد يفعله وما قد يتباذر لذهنه من أقاويل ، ما كان عليّ إلا أن أرمقه بنظرة تثنيه عن أفعاله الصبيانية و لكني كنت خيالية أحيا برواياتي و أحلم بأبطالها أحلم ببطل ينتشلني من غربتي التي استقرت بنفسي و رغم كل من حولي كنت أراني وحيدة مستلمة لقضائي بكل خنوع دون أدنى مقاومة ، كنت أتخيل أن ذاك الشخص قد حارب لأجل أن يصل للمملكتي و يقتحم حصني و يجذبني خلفه على حصانه الأبيض مبتعداً على تنانين الوحدة التي تنفث بنيرانها في وجهي كلما أردتُ التبرج لاخفي علامات الزمن الصغيرة التي بدأت تتسرب لملامحي .
لم يُنهي هذا الغريب صراعي بل ظللتُ أكتب و أتساءل عنه أينه يا ترى ما الذي يفعله الآن من يكون هل حقاً كما قال أنه يحبني ؟ من ذاك الذي يحبني و أنا تلك المغرورة المتسلطة التي يخافها و يرهبها الجميع فقط لأنها لم تكن تحب الحياة الصاخبة و آثرت أن تدفن رأسها ما بين عفن الكتب و تطمر بقايا جسدها تحت غبار المكاتب ، شعرتُ بقلق خيّم على صدري و كلما زمجر هاتفي كنت أسرع لعله هو فيسكتَ هذا الصراع الارعن بنفسي و ينهي هذه المأساة التي بدأت أنا أولى فصولها دون أن يعي ؛ حتى تلقيتُ رسالة فيها ذات العبارة مع عنوانٍ لمكان رجاني أن التقيه فيه ، فما كان من فضولي إلا أن استجمع قواه على رصانتي و اتزاني و حملني إليه دون تفكير، كنتُ آمل أن التقيه لأتعرف على هذا الشخص المريب الذي قسمني لنصفين نصف يفكر فيه و نصف خائف و مرعوب منه .
إلتقينا و تبادلنا التحايا كما العادة و كل منا يحمل بصدره ألف تساؤل و الف حكاية كنّا نتسابق على أولوية الحديث و من سيسيطر عليه و من يبدأ بقطع الشوط الأول فائزاً على الآخر ، كنتُ أظنه أحد أسطري الهاربة من ديباجتي كنت أريد تطويعه حسبما أخطط لا اريده أن يحيد عن ما كنتُ أظنه فيه كانت الكلمات تنساب من بين شفتيه دون عناء كان تلقائياً غضَّ المشاعر قاسي الملامح رخيم الصوت كنتُ أتابعه بكل إهتمام ؛ حركات أصابعه حتى ذاك الجرح الغائر في جبينه كنتُ أتفحصه و أملي عليه تصوراتي كان يهتم بمعانقة نظراتي الفارّة من ملاحقته ، لم يمنحني فرصة للهرب بل سمرني في زاوية و بدأ ينزع عني خشونتي رويداً رويداً و يهدأ من روعي مع مرور سيول الكلمات التي كانت تجتاز شفتيه بسلاسة كان يحكي قصة حبه العنيفة مع خيالي بكل شغف حتى إني حسبتُ نفسي تبحر في عباب الخيال دون رادع أو أن حمى الوحي قد أثرت عليه فبدأت شخصيات كتاباتي تفر من الورق و تقبع أمامي شحماً ودماً .
بل رجلاً لطالما أردته و لطالما اشتهيته رجلٌ يعي كيف يسوق الكلمات أمامه و كيف يصف مشاعره دون تكلف رجل يدرك ما عليه من كلمات فيرتبها بكل أناقة و يضعُ لها ربطة عنق تحكم قفزاتها ، دوما حلمت برجل يسمعني أشهى الحديث و يقذف من ألفاظه ما لم أرغبه و يقتصُّ منها العبارات ، حتى إن تفوه بها كانت غاية في الروعة و الرقة و رغم المشاعر التي فاضت منه فأغرقتني و أنا أقاوم هذا الأندفاع ؛ كنّا نتشاحن في إثبات صدقنا فأنا أرمقه بنظرة تحمل بين طرفتها و ارتدادها تشكيكاً مهيناً لا قرار له و هو يحمل بعينيه عاطفة أخاف أن أضمها لصدري فأتعذب و أنا التي إعتدتُ على شحن عواطفي من الورق ؛ شدّني كلُّ مافيه أو ربما كنت أبحثُ عن عطر رجلٍ يسكن جسدي و يلتصق بأصابعي فأنا كنت ابنة الربما صاحبة التردد و التذبذب كنتُ أراه فارساً يمتطي النور فبحثت بين نبراته الرجولية على ما قد يؤنس خوفي و يجلي وحدتي و يطرد شياطين الغفلة من فكري , مهتمة بما كان يقول جداً ربما لأنها المرة الأولى التي أشتم فيها بغريزة الأنثى أن هذا الرجل رجلي أنا .
و دون سابق إنذار مقاطعاً سحابات الهيام الفكري التي كنت أنتعلها لمخيلتي .. سؤالٌ قفز من عوالم الفكر الغامضة إلى شفتاي دون مقدمات قفز هكذا بكل عفوية محاولاً قطع الطريق علينا :
من أين لكَ رقم هاتفي ؟
رد بثقة أكثر مما كان يعتليها فيما سبق , يالي هذا الرجل يقفز بي من مكان للآخر كفراش النور و أنا الاحقه كمشدوه منبهراً بتلك الألوان التي كان يصرفها في عالمي بكل سخاء :
لا تنسي أنكِ كاتبة و روائية مشهورة و أنا شاعر و في دائرتنا لا غرباء .
و استطرد و كأنه يتجاهل محاولاتي في استكمال سيل أسئلتي اللحوحة مقاطعاً لأضعها أنا بدوري إجابات لكل انفعالاتي :
أحترم فيكِ قلمكِ الرصين اني أحبكِ منذ زمنِ بعيد جداً ، لم أفكر بغيرك , كنت حينما أهم بالسفر أُجلسك بجانبي و أتحدث معكِ لساعات طوال كنت أفكر أي الاماكن تلك التي كانت تضمكِ ، كنت أمشط الشوارع على أمل أن التقيكِ صدفة كنتُ أحدق في كل فتاة و اجزم أنكِ أحلى و ارق منهن جميعاً ؛ في كل ليلة كنت ُ أشكو إليكِ نيران الشوق التي تلتهم حناياي كنتِ ترمقينني بنظرة لم أعي ما تعني و لكنها كما الخنجر ترشق صدري فلا أستطيع انتزاعه كنتُ أتصارع و نفسي هل أبوح لها بما أكنُّه أم أنها ستنهرني عنها و تنهاني عن حبها و يقف القدر ما بيننا حائل .. أكثر من مرة ترددتُ أن أخبركِ بما أشعر به اتجاهكِ و لكن حبي كان أعظم من كتماني فلم أدري إلا و انا أمسك بهاتفي أحاول أن أجدكِ و أعثر عليك و اكتشف ملامح تلك الأنثى التي أسرتني .
قاطعته غاضبة : أتظني فتاة في السادسة عشرة ستطير فرحاً لسماع هذا الكلام الجميل , إني كاتبة و روائية وأنت أقدر علماً من غيرك كونك شاعر أن لعبتي الكلمات فإن كنت ترغب باللعب فلن أكون دميتكَ ، و إن كنتَ تحاول رسم حبائل الحب حولي فلا أنصحك باللعب معي فلن ارحمك ابداً إن تبين لي أن هذه الرواية ليست إلا قصة سخيفة تود ان تتشارك بها مع أصدقائك و أنت تحستي و إياهم شراباً بارداً أو فكرة طرأت ببالك أحببتَ أن تجربها معي فلن أتساهل في عقابي أبداً .
لم يجبني كانت نظراته أبلغ من أي حديث لم أدري لما انتزعني من وحدتي و ما كان غضبي إلا أنني اعتدتُ الوحشة و جاء هو كسراج منير أنار ما حولي فرأيت بشاعة وحشتي لدى ثرتُ عليه ، فما كان عليه أن يصدمني بحقيقة واقعي بكل هذه الوحشية كان عليه أن يسحبني من يدي لبلاد النور و عيناي مغمضتان ، غضبتُ جداً كونه أحبني و جاء ليخبرني أنني الوحيدة التي أرادت روحه السكن إليها ، غضبت ليس لأن الامر قد يكون مزحةً سمجة أو سخيفة و لكن كنت غاضبة من زمنٍ أراد مكافأتي بعدما اعتادت عيناي الظلام فما كان مني إلا أن استنكرتُ هذا النور و ما كان مني إلا أن بادلتُه بسيل من الاتهامات و عنّفته بلهجةٍ صارمة حانقة ، كنتُ فيها اداري خوفي الصريح من معانقة حبه و تصديقه، كنت أخشى الانخراط في علاقة أدري نهايتها قبل أن تبدأ فكل قصص الحب التي تبدأ عنيفة تموت باكراً و تخلّف بقدر ذاك العنف جراحاً لا تندمل .
توالت الايام و توالت اللقاءات لم ينفك يقنعني بمدى جديته و لم أستغني يوماً عن أتهامه بأنه كاذب كنتُ أدس هذه الكلمة ما بين السطور و أرميها له كطعم زائف فأكشف به ردات فعله حتى بدأتُ أشعر بحبه ينسال إلى قلبي رويداً رويداً ، كان رائعاً جداً طيب القلب حنوناً يتلقف كل قذائف الهاون التي كانت تأتيه من جانبي و أنا أحاول استشعار خطأ واحد يجعله فريسة تحتَ أنيابي لم أكن أميل كثيراً لتصديقه كنت أؤمن أن الحب وحده لا يمكن إلا أن يكون بالروايات التي أنسجها أو بالشخصيات التي أرسم قدرها بقلمي فالحب ليس إلا اسطورة خُلقت في هذا الزمن لنكتب أو لنرسم أو لنتخيل و لكنه أبداً لم يكن واقعاً يتبختر ما بين البشر في هيئة قلوب .. الحب بالنسبة لي عملة لم أقبض عليها يوماً رغم رخاء حياتي لم أدسها يوماً بمحفظتي أو اتمتع بها أثناء تبرجي دوماً كان بنظري الحب وجبة دسمة لقرائي حتى أجذبهم لنصوصٍ كرهتُ معضمها لتكرار كلمات الحب فيها حب لم اتذوق منه إلا العناء و الألم فلم أتذوقه يوما في فنجان قهوتي أو على نغمات فيروز الصباح لدى كنت أدافع و بشراسة عن معتقداتي و كلّما ازدتُ تعلقاً به كلما زادت مخاوفي و زاد غضبي و انهالت عليه اتهاماتي ، كنتُ أعبثُ طوال الوقت بعواطفه اختبره حيناً و اغضبه حيناً آخر لم أملَّ يوما مشاكسته و لم يمل يوماً مسامحتي حتى حينما أكون أنا المخطئة كان يعتذر نيابةً عني كنت أرى الحب يندلق من عينيه سيولاً جارفة كنت ألتمس هذا الحب في كل حرفٍ كان يقوله لم أستشعر أو يخالجني شك أنه يتلاعب بعواطفي و اخيراً أسلمتُ له قلبي بعد طول صراع اكتسب حبي عن جدارة لم يتواني عن مسامحتي و الغفران لزلاتي بل كان طيباً متسامحاً يستقبل كل هفواتي بصدرٍ رحب محباً شهماً رائعاً كان يختصر السعادة فيدلقها ما بين يدي دون حواجز أو نهاية .
*****
” حبيبتي أود ان اقتسم حياتي و إياكِ فهل ترضين أن تكوني زوجتي ؟”
و كأي حبيبين عذّب الهوى فؤادهما وجب أن يرتبطا برباط مقدس طوال الحياة برباط يجمع ما بين قلبيهما لا يفرقهما إلا الموت كان يجب أن نمارس حبنا دون أن نمنعه من الفوران أو نخمد نزقاته ، شعرتُ أن الدنيا أضيق من أن تتسع لفرحتي أخيراً سأصبح زوجةً لرجل أحبني من صميم فؤاده لرجلٍ تمنيت أن يقاسمني حياتي و أخيراً سيكون لي أطفالاً و أكون أماً ليس فوق الورق أو عبر شطحات الخيال و أن أحظى بعائلة كنت أفتقد دفئها – عائلة – أظلمت الدنيا مرة أخرى و شعرت بثعابين الخوف تتسلل لقدماي و تتسلقني و تعضني و تلسع اتزاني شعرتُ بخوف و برد قارص يقرص جيدي العاري لم أعتد يوماً على التعامل مع الفرح كنتُ أميل أكثر إلى الحزن كان التعاملُ معه أكثر سلاسة كنتُ أكثر حنكة و اكبر خبرة لدى كان الفرح كائن غريب لم أعي كيف أقبض عليه أو حتى كيف أتعامل معه ؛ لم أكن أتوقع أن هذه الامور قد تقف يوماً بطريقي لم أحسب لها حساباً و لم أدري إنها ستكون سداً منيعاً يحجب عني سعادتي و أنه وجب أن أدفع ثمن كوني من أبوين مطلقين و أني أعيش دون أب في وحدة قاتلة تزحف إلى خرابي ، لم أعي يوماً أن هذا الامر سوف يقلق مضجعي و يحرمني راحة البال فكيف لنا أن ندفع ثمن أخطاء الآخرين و أن يعيشوا هم بكل سعادة على حساب حياتنا ما ذنبي أن والدي كان رجلاً عاق أغضب والديه و تنصل منهم و بدأ في ملاحقتهم طمعاً في المال , ما ذنبي أنه كان تابعاً لزوجته التي لم تتواني يوماً على تهديد أمني و سلامتي و طردي من بيته واصفةً إياي باقبح الاوصاف و هو كان نعم المتفرج و الصامت ما ذنبي في أنه كان أناني لم يحسب لحياتي أي حساب ، ذنبي الوحيد أني كنتُ و سأظل ” ناهد عمر” من صلبه و وجب أن أدفع عنه خطاياه و كأن القدر يعاقبني لانني أنتمي إليه و إنني كنتُ أرجح عقلاً من أن أنقلب عليه ففضلت الانفصال عنه فقط تحسباً لردات فعل زوجته التي كنت أخشى تهورها و حتى تهوره هو ..فكان من الأسلم أن أعيش بمفردي بعيداً عن المشاكل ؛ ذنبي أنني كنت عاقلةً أكثر مما يجب فلم أخض حرباً كالحرب التي خاضها أبي ضد والدته محاولاً طردها من البيت لم أشأ أن أكون أحد تلك التروس التي تلتف حول عنقه ففضلت أن أكون متفرجاً في حرب لا ناقة لي فيها و لا جمل سوى أن جدتي و أبي يتناحران من أجل البقاء و ما كان من أبي إلا أن رمي كل عواطفه و انا في مزبلة الجشع و الطمع بعيداً عن الواجب و المفروض حتى يظفر بغنيمة ظنها أنها من حقه دون باقي إخوته فهي لن تعيش أطول مما عاشته و وجب عليها أن تتنحى لأطفاله البالغ عدهم 12 طفلاً وجب أن تمنحهم تذكرة الحياة على حساب طردها في الشارع و أن تتنحى عن طريقه و إن كان الثمن أنا و هي و كل من يقف ضده .
لم أفهم يوماً تصرفات أبي الغريبة لم أفهم لما كان يصر على أن يقذفني خارج حياته دون أن يفكر بمصيري رغم أننا كلما التقينا أكد أنني أحبّ أطفاله لقلبه و لكن غريب أن يظهر حبه بهذا الشكل المخيف و بكل هذه الشراسة أيكون الحب هكذا نزقاً شرساً غبياً عاقاً !! مخيفاً أنانياً تابعاً .
وقفت طويلاً و أنا أفكر في مصير نادر و مصير ارتباطي به فكيف سأدخله لعالم مشحون لا ذنبي لي فيه سوى أن القدر ساقني لأكون أحد أفراده و لكني مذنبة في نظر الجميع كوني ابنة من أم مطلقة تزوجت هي الاخرى و تركتني أعاني وحدي مذنبة كوني لستُ في أسرة طبيعية و وجب علي أن أرضى بأحطِّ الخيارات و أرذلها و كأنني من ساقطي القيد وجب على المجتمع نبذهم ولأن أبوي قررا الإنفصال ولان أبي كان عاق الوالدين وجب عليّ أن أنكسّ رأسي و أنحني لكل مار و أستميح الجميع لذنب لم أقترفه فكان جلّ خطأي أني كنت أدعى ناهد عمر .
توقفنا أنا و نادراً كثيراً حول هذه المعضلة كانا أبويه يعترضان و بشدة علىّ لم يوافقا على ارتباطه بي بل حاولا أن يخطبان له ابنة عمه على يقين بأنه سينساني قريباً و يضعانه أمام الامر الواقع ليمحي من باله فكرة هذه المرأة التي أقحمت نفسها في هدوء حياته , لم أستطيع دفع كل هذه الرماح عني فكان أغلبها يرشق بصدري لم تكن يداي بالدرع الكافي لصد هذه الرماح مزقتني إرباً ارباً حينها فقط شعرت بفداحة كوني ناهد عمر ، في بعض الاحيان كنت أبرر لنفسي أن ذاك ليس بذنبي و أن لي حق بالعيش مع شخصٍ أحبه قلبي و تمناه عقلي أن أنتزع هذه الفرصة من بين أنياب الحياة سواء أرادت ذلك أم لم ترد يجب أن أقاوم كل الإعتراضات التي وقفت في سبيلي و أن أفجر كل الالغام التي زرعتها الدنيا بطريقي و لكني كنت أتراجع عن هذه الفكرة سريعاً حتى لا تسطو على قناعاتي فلِمَا يكون ذنبه الوحيد أنه أحبني و بصدق .. أحياناً كنت أرغمه على تركي و أن يتزوج ابنة عمه و أن ينساني و يتركني لأحزاني التي بدأت تطبق على صدري و تدفنني عميقاً في حزنٍ لا قرار له ، كنت أحاول إقناعه و أنا ألثم شفتيه أن يتركني لحال سبيلي و أن يفر بجلده بعيداً عن هذه الدوامة التي تلف قدماي و تكسرهما ، كنت أحاول أن أثنيه على الغوص في الوحل مثلي و لكنه كان يتشبث بي أكثر كلما نهرته عني وأنا كنتُ أكثر تعلقاً به كلما شعرت أنني سأفقده و سأفقد رجلاً كان سيكون قنديلي في حلكة هذه الاحزان الطاغية و أنني أخيراً سأسسُ عائلتي التي تخصني أحافظ فيها على استقرارها أضم ابويه فيكونا عائلتي أحتك بإخوته فيكونوا سندي و لكن لاجدوى من الحُلم فالكوابيس لا ترحم تغرس انيابها باستقراري فتهتز الدنيا حتى أقع .
شعرتُ أنّي يجب أن أضحي بحبي الجارف إتجاهه و أن أفسح الطريق له دون أن يخسر أبويه فيكون عمر آخر و أطفالي ناهد أخرى ، قررت الانفصال عنه حتى أفسح له الطريق ليحيا بعيداً عن الجحيم الذي كنتُ سأدفنه فيه فكيف لي أن استأثر به لنفسي على حسابه يجب أن اقتل حبي و حبه حتى يحيا بهدوء في عالم لم يعتد فيه إلا على الابتسام لم أكُ أنوي أن انتزعه من بين أهله أو أقطفه لنفسي فقط رغم انه كان منقذي و أنه سوف ينتشلني من هذا الحجيم الذي لم أعي حروقه إلا حينما طُلبت للزواج فلم اكن ادري انه يجب أن لا أحافظ على طهارة روحي فقط بل يجب أن أحافظ على طهارة روح من حولي و يجب أن أدفع ثمن خطاياهم .
حاول نادر جاهداً أن أكون زوجته و لكن ابويه رفضاني رفضاً قاطعاً و لم يمنحاني فرصة التحدث إليهم أو توضيح ملابسات ما أحاط بي من ذنوب لم يمنحاني فرصة أن أكون زوجة شخصٍ أحببته حتى تفتق قلبي له لأنصاف أحببته حتى آثرتُ أن أبتعد عنه إكراماً له و تخدلياً لذكراه أن أحمله بين ضلوعي حتى أشيخ و أهرم و أذبل و أموت لم يشفقا على وضعي بل كانا قاسيين كما الزمن و حثاه على تركي و أني فتاة لا تصلح أن تكون زوجة فكما يقال العرق دساس و لن أسعده رغم انه كان اسعد و هو معي ، قررا أن ينتزعاني منه و و انقلب عليّ كل من حوله حتى اخته و زوجها اللذان عاصرا ويلات حبنا وقفا ضدنا و نصحاه أن يتركني ، كنت أثق أن الله لن يتخلى عني في هذه المحنة كنت أدعو الله أن يخفف عني مصابي , أن يمنحي الصبر و السلوان أن يمنحني القدرة على الانسلاخ منه و تركه لسبيله ، لم يكن نادر قادراً مثلي على التضحية بل كان أكثر تشبثاً بي لم يستطع أبداً أن يتركني لحال سبيلي بل ظلّ يطاردني و يحاول إقناع والديه و كلما زاد تشبثاً بي زاد عناد والديه و زادت اتساع رقعة المعارضين لإرتباطنا و كأنهم يحتفلون بذبحي و قتله .. فيجتمعون كما آكلي لحوم البشر هاتفين مهللين فرحين بمهرجان الدم هذا .. حتى هجره للبيت كوسيلة ضغط لكي يقنعهم بقراره لم يفضي لنتيجة بل زاد من اعتقادهم اني غير كفؤ له ، ظللنا على هذا الحال قرابة سنة و نحن نعاني الأمرين و كلما إلتقينا إمتزجت دموعنا بأحضاننا المشتاقة و قبلنا الشغوفة كان في كل لقاء يؤكد لي أنه يحبني و انه لن ينساني و إن خرجت روحه من بين ضلوعه إكراما و تخليداً لهذا الحب فلن يتخلى عني، كنت أعتصر ألماً مثله كنت أود أن يغفر لي الزمن كوني ناهد عمر أن يمنحني و لو لبرهة أمل أن أكون في يومٍ ما سعيدة دون أن تلاحقني ذنوب الآخرين و لكن هيهات أن يغفل الزمن عني بل ظل يغرس أنيابه في كتفي حتى أجهز عليّ .
و لأني كنتُ احبه جداً و اكتفيت من الهزيمة و خارت قواي قررت أن لا أتزوج غيره و أن أهب روحي لذكراه و أن أظل حتى أموت أحيا ذكرياتي و إياه عبر الورق و أن أكتب في حبه قصائد الرثاء حتى تنتهي حروف الهجاء و تنفذ العبارات لم أرغب بأن يشاركني بيتي أخر فتختلط الحروف و الأسماء أو أمنحه لغيره قبلاً كنت أسقيه إياها عن شوق ، لم أشأ أن أجتاز تجربة الفشل مرة أخرى كنت أخاف جداً أن ينكسر قلبي ثانية فأقفلت قلبي و أحكمت إغلاقه و ظللت حبيسة ذكرياتي مع نادر..
ظللت أخلّد ذكراه ما بين سطوري ، حتى انفصلنا بعد خمس سنوات من الصراع اليومي بعدما أيقنا أنه لا أمل في إجتماعنا و أن الحياة آثرت إلا أن ننفصل و أن نادر أبداً لن يكون وسادتي و لن أكون أبداً في يومٍ من الأيام مخبأه .
لاذ نادر بالفرار خارج البلاد بعيداً بابنة عمه التي تزوجها في لحظة ضعف في لحظة انسكار و استسلام في لحظة شجعته أنا على ذبحي على سلخي من جِيده و على انتزاعي من بين ضلوعه أجبرته على تركي .. كنت أعتب عليه أحياناً و أحايين أُخر كنت أعذره كنتُ أعي مرارة أن يكون لابٍ ابناً عاق لدى لم أشأ لهذا الرجل الرائع الطيب النادر أن يكون ابناً عاقاً لدى افترقنــا و كلنا أمل أن يجمعني به الله في الحياة الاخرى و أن أكون له زوجةً بين يدي عدالة الخالق . كنت أثق اني لن أموت فيه كما لن يموت في روحي ، كنتُ أعي تماما أننا لن نفترق فما زالت روحه ما بين ضلوعي تتخبط في كل يوم و ليلة . و ها أنا اليوم أعيش وحيدة في فراش بارد تكسو التجاعيد وجهي و كل ذنبي أنني كنت ” ناهد عمر ” و كل ذنبه أنه كان يحبني و بصدق … و ها أنا أنتظر في كل ليلة أن أموت فألتقيه هناك . .
ملأت سمية صدرها بهواء شهقة غادرة ، فخالتها التي عاشت للحب ماتت للحب .
تمت
عثمان المنتصر- مشرف
- عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 06/12/2010
العمر : 35
الموقع : درنة / ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت سبتمبر 19, 2020 12:39 pm من طرف بالمسه
» مؤشر السوق السعودي يتراجع مع إنخفاض أسهم أرامكو - سابك - الراجحي
الأربعاء يوليو 01, 2020 9:43 am من طرف بالمسه
» سهم موبايلي - اتحاد اتصالات يفتتح التداول على إرتفاع ملحوظ رغم سلبية المؤشرات
الأربعاء يوليو 01, 2020 9:31 am من طرف بالمسه
» سهم كهرباء السعودية وإستمرار الخضوع للضغط السلبي
الثلاثاء يونيو 30, 2020 8:09 pm من طرف بالمسه
» تسجيل 50 وفاة و4387 إصابة جديدة بفيروس "كورونا"اليوم في السعودية
الثلاثاء يونيو 30, 2020 4:15 pm من طرف بالمسه
» المؤشر العام - مؤشر السوق السعودي يهوي بشكل غير ملحوظ رغم إرتفاع سابك وسهم أرامكو
الإثنين يونيو 29, 2020 4:00 pm من طرف بالمسه
» كلية الملك خالد العسكرية تعلن فتح باب التسجيل لحملة الشهادة الثانوية العامة
الإثنين يونيو 29, 2020 2:00 pm من طرف بالمسه
» سهم زين السعودية يفتتح باللون الأخضر مع هذا المؤشرات تشير إلى إستمرار السلبية
الإثنين يونيو 29, 2020 11:55 am من طرف بالمسه
» سهم لازوردي يكمل الصعود وسط التوقعات بتحسن مكاسب الشركة
الإثنين يونيو 29, 2020 11:47 am من طرف بالمسه